“مدافعو الحرم”.. هذه المره فی إیران!
تم إغلاق الأضرحه المقدسه لدى الشیعه، وضمن ذلک مشهد وقُم، مع تکثیف إجراءات مکافحه فیروس کورونا، واتخذت دول أخرى تفشّى فیها الفیروس تدابیر مماثله. على سبیل المثال، تم تعطیل الصلاه الأسبوعیه التی یقیمها البابا یوم الأحد بساحه القدیس بطرس فی الفاتیکان، بحضور آلاف من الکاثولیک، وتم بثها بالفیدیو.
وقد اتخذ قرارَ إغلاق هذه الأماکن لجنهُ مکافحه کورونا، التی قام المرشد علی خامنئی، بتعیین حسن روحانی رئیسًا لها؛ وهذا یعنی أن مرشد الجمهوریه الإسلامیه موافق على مثل هذا القرار. ولو کان خامنئی معارضًا لهذا القرار لَما عطّلَ خطاب الیوم الأول من السنه الإیرانیه الجدیده، ولَعارض کذلک إغلاق هذه المراکز.
وعلى الرغم من أنه کان قرارًا “سیادیًا” أیدته أعلى سلطه دینیه فی الجمهوریه الإسلامیه، فإنَّ رد فعل مجموعه من الناس على إغلاق هذه المراکز کان ملیئًا بالغضب والاستیاء. وبحسب الفیدیوهات المتداوله، هاجم البعض الأماکن المذکوره، وکسروا الأبواب ودخلوا الضریح.
ومن الواضح أنه لیست لدیهم مخاوف من التفشی الجامح لـ”کورونا”، وأنهم یرون أن معتقداتهم أَولى من صحه البلد کله، ومن الواضح أنهم لا یثقون بالنتائج العلمیه وربما لا یعتقدون بالعلم من الأساس. ولکن فی غضون ذلک، کانت کلمه أحد المهاجمین ذات معنى ومثیره للتأمل، عندما قال: کیف نکون “مدافعین عن الحرم” فی سوریا، وهنا فی إیران لا ندافع عن الحرم؟!
من تسلُّق جدار السفاره إلى اقتحام الضریح
فی الجمهوریه الإسلامیه تم تعلیم طبقات تقتصر طریقتها فی التعامل مع المعتقدات المعارضه على العنف. تاره تکون المعارضه مع دوله أجنبیه، والطریقه التی تعلّموها هی تسلّق جدار السفاره، وتاره إغلاق الأضرحه، حیث یجدون الحل فی اقتحامها. ویبدو حتى أن أبواب الأضرحه التی یُقبّلونها لم تعد لها حُرمه عندهم.
فی منطق هؤلاء، من أجل إبقاء الضریح مفتوحًا، یمکنک المهاتره والإهانه، وکسر باب الضریح حتى یبقى الضریح مفتوحًا.
من الواضح أن هذا السلوک لا یمکن تعمیمه على الجمیع، ولکن یمکن دراسه السلوک الاجتماعی لدى هذه الطبقه. لماذا تعلّموا اللجوء إلى العنف فی أی من معتقداتهم، حتى لو کان اقتحام الضریح؛ من أجل إبقائه مفتوحًا؟
قد لا یکون هذا السؤال مدعاه للاهتمام للوهله الأولى، ولکن إذا نظرنا إلى حجم مثل هذه الخطوات التی تکررت على مدى العقود الأربعه الماضیه، نجد أن هذا السؤال مهم للغایه.
على سبیل المثال، الحالات التی عطّل فیها أصحاب هذا الخط الفکری کثیرًا من الخطب باستخدام العنف لم تکن قلیله، الحالات التی هجم فیها هؤلاء على بیوت المعارضین وحتى مراجع التقلید لم تکن قلیله، حالات تسلقهم جدران السفارات لم تکن قلیله.
هؤلاء یرون أنفسهم یملکون الحق المطلق. لذلک، لا یطیقون أی متظاهر. وفی قضیه إغلاق الأضرحه، لا یسمعون تحذیرات المراکز العلمیه، ولا یستجیبون للقرارات “السیادیه”، لکن لماذا
یمکن العثور على الجواب، على سبیل المثال، حیث کان حجه الإسلام محمد سعیدی، ممثل المرشد فی مدینه قم وإمام جمعه المدینه، قد أطلق على مزار قم اسم “دار الشفاء”، وکان هو نفسه من أشد معارضی إغلاق الضریح. لکنه الآن، التزم الصمت ووافق على إغلاق الضریح، غیر أن بذور الجهل التی زرعها ما زالت باقیه.. بصراحه، هذا الجاهل الذی اقتحم الضریح لفتح الباب یعتقد أن ذلک المزار هو “دار الشفاء”.
یقال إن من یزرع الریح یحصد العاصفه؛ هذه هی قصه الطبقه التی رعتها الجمهوریه الإسلامیه من خلال إغلاق عقولها وفتح قبضتها لتکون “قوه صدمه”.. لقد فقدت هذه القوه الآن الثقه فی الطبقه الحاکمه. إن معتقداتهم، بالنسبه لهم، أکثر أهمیه من الطبقه الحاکمه. حتى إذا کان هناک فیروس خطیر مثل کورونا، فقد تعلموا الالتزام بمعتقداتهم.
أبرز مثال على هذا الجهل هو “حرکه الخزینه” التی تسبب رجال الدین من خلالها فی ارتفاع معدل وفیات الناس بحجه “الاغتسال الشرعی”.
قصه “حرکه الخزینه” هی أنه فی السنوات التی لم یکن فیها حمام منزلی، کانت هناک حمامات عامه، وتجویف مملوء بالمیاه بارتفاع الإنسان، وعرضه متران أو ثلاثه أمتار، حیث کان الجمیع یستحمون فیه. کان هذا التجویف الملیء بالمیاه، یستخدم للغسل الارتماسی (غمر الجسم فی الماء دفعه واحده)، وهو مهم بالنسبه للمتدینین على وجه خاص. من الواضح أن میاه الخزینه تتلوث تدریجیًا بسبب استخدام الناس، ولکن، وفقًا لما یراه الفقهاء، اعتبرت أنها الماء الکر (هو ما یکون ثلاثه أشبار طولاً فی ثلاثه أشبار عرضًا فی ثلاثه أشبار عمقًا). وکان الغسل فیها أمرًا مقبولاً. ومع ذلک، کانت المیاه الملوثه فی الخزینه عاملا لانتشار أمراض جلدیه مختلفه مثل الصلع والأمراض الفطریه والجدری.
خلال حقبه بهلوی الأول، حظرت الحکومه استخدام “الخزینه” وفرضت الاستحمام بالدش، وکان هذا بدایه النزاع بین التقلید والحداثه، أحدهما یدافع عن الخزینه والآخر عن الدش. منع رجل الدین استخدام الحمام لأنه لا یمکن فیه القیام بالغسل الارتماسی.
أخیرًا، فی “حرکه الخزینه”، تراجع رجال الدین وفکروا فی حل یسمى “الغسل الترتیبی”. ولکن فی قضیه إغلاق الأضرحه، لم نر حتى الآن مرجع تقلید واحدا (مثل البابا) یتقدم لدعم إغلاق الأضرحه.. کان هذا الصمت من قبل المراجع ورجال الدین بسبب معارضتهم لهذه الخطه، وهو الأمر الذی تسبب فی کسر بعض الناس لباب الضریح لدخول المزار.
تاریخ انتشار: ۲۰ مارس ۲۰۲۰ / اینترنشنال