وصف الضحایا بـ “الشهداء”.. تکریم أم هروب من أزمه؟
شهدت إیران خلال الأشهر الأربعه الماضیه، من نوفمبر (تشرین الثانی) ۲۰۱۹ إلى فبرایر (شباط) ۲۰۲۰، ثلاث أزمات کبیره، خلّفت کل واحده منها کثیرًا من الضحایا. هذه الأزمات هی: أزمه رفع أسعار البنزین، وأزمه إسقاط الطائره الأوکرانیه، وأخیرًا أزمه تفشی فیروس کورونا.
وعلى الرغم من اختلاف طبیعه هذه الأزمات الثلاث، فإن القاسم المشترک بینها هو الدور الفعال للنظام فی “خلق” هذه الأزمات..
ویمکن أن نوضح فیما یلی تفاصیل عن هذا الدور..
فی ۱۵ نوفمبر (تشرین الثانی) ۲۰۱۹ أعلنت الشرکه الوطنیه الإیرانیه لتوزیع المنتجات البترولیه، بشکل فجائی، أن سعر البنزین ارتفع من ۱۰۰۰ تومان إلى ۳۰۰۰ تومان، وفقا لقرار المجلس الأعلى للتنسیق الاقتصادی للسلطات الثلاث.
الملاحظه المهمه أن هذا القرار لم یتخذ من قبل البرلمان، ولم یشرف علیه مجلس صیانه الدستور، بل تم اتخاذه فی المجلس الأعلى للتنسیق الاقتصادی الذی یضم السلطات الثلاث، دون أی إشعار مسبق. وکان الأمر کما لو أن هذا القرار الکبیر هو بمثابه “ضربه عسکریه” یجب أن یجهلها الجمیع، حتى نواب البرلمان.
بعد هذا القرار عمت الاضطرابات جمیع أنحاء إیران. ومنذ الأیام الأولى وصف مرشد الجمهوریه الإسلامیه المتظاهرین بأنهم مثیرو شغب وأمر بقمعهم.
الآن، بعد خمسه أشهر من الحادثه لم یتم الإعلان عن عدد القتلى بشکل رسمی. فیما تقول بعض المصادر إن الإحصاءات تشیر إلى مقتل ۱۵۰۰ شخص.
وفی هذا الإطار کان هناک شیء واحد واضح، بخلاف الاحتجاجات الواسعه الأخرى، فقد اعترف المسؤولون بأن کثیرًا من الضحایا کانوا من المواطنین العادیین.
وضمن هذه الظروف، اعتبر المرشد الإیرانی ضحایا نوفمبر (تشرین الثانی) “شهداء”، حتى تستفید أسرهم من “مؤسسه الشهداء”.
لقد رفعت الجمهوریه الإسلامیه فجأه سعر البنزین، وتصرفت بلا منطق لإشعال النار فی المدنیین ثم وصفت ضحایاهم بـ”الشهداء” لتعالج جروح أسرهم، ومن الواضح أن هذه الأزمه کانت من صنع النظام، وأن وصف ضحایاها بـ”الشهداء” جاء للتستر على المصیبه التی ألحقها النظام بالشعب.
لم یمض شهران فقط حتى وقعت حادثه أخرى فی ۸ ینایر (کانون الثانی)؛ وهی إسقاط طائره الرکاب الأوکرانیه بقصف صاروخی من الحرس الثوری الإیرانی، قتل على أثره ۱۶۷ راکبًا بینهم ۱۴۶ إیرانیا، وکان عدد کبیر من هؤلاء الضحایا من النخب العلمیه والأکادیمیه، الذین قضوا نحبهم بقصف صاروخی من نظام دفاعی، فیما ظل المسؤولون طیله الأیام الثلاثه الأولى ینکرون قصف الطائره بالمنظومه الدفاعیه الجویه الخاصه بالحرس الثوری، ونشروا أکذوبه النقص التقنی.. ولکن فی الیوم الرابع، أقرت هیئه الأرکان العامه للقوات المسلحه، فی بیان لها، بالحقیقه. ووصفت الضحایا بـ”الشهداء” لیغطوا على الکارثه التی صنعوها بأنفسهم مره أخرى.
لکن الحاله الثالثه، والأسوأ على الإطلاق، کانت الأزمه التی جلبها فیروس کورونا الجدید إلى إیران، فی بدایه شهر فبرایر (شباط) الماضی، حین انتشرت أخبار مقلقه حول تفشی فیروس قاتل فی مدینه ووهان الصینیه، ودق ناقوس الخطر فی جمیع أنحاء العالم، کما انتشرت أنباء عن تلوث مدینه قم.. ولکن، تم إخفاء الأمر فی البدایه، وذلک لثلاثه الأسباب:
أولاً: لأن النظام لم یرغب فی وضع قم (مرکز رجال الدین) فی الحجر الصحی.
ثانیًا: لکی لا یمنع الخوف من فیروس کورونا الناس من المشارکه فی مسیره ۱۱ فبرایر (شباط) الماضی.
ثالثا: حتى لا تتأثر المشارکه فی الانتخابات البرلمانیه وانتخابات مجلس خبراء القیاده، نهایه فبرایر (شباط) الماضی، ولا سیما هذه الدوره التی کان منح الأهلیه فیها ضمن الحدود الدنیا، وکان هناک احتمال بتراجع المشارکه فی الانتخابات بشکل طبیعی، أضف إلى ذلک أن الحکومه لو کانت قد قامت بالکشف عن خطر کورونا، لکانت هذه الاحتمالیه ستزداد أکثر وأکثر ولتراجعت نسبه المشارکه.
ضمن ما ذکر، نرى أنه کان لدى النظام ثلاثه أسباب رئیسیه لإخفاء الأزمه التی تفاقمت بشکل قاتل، حتمًا، بعد کشف الستار وتفشی کورونا، کما توفی على أثر ذلک مجموعه من کوادر المستشفیات والأطباء والممرضات بسبب الفیروس. وعلیه أمر خامنئی أیضًا بأن یتم التعامل مع هؤلاء أیضا بوصفهم “شهداء” مره أخرى، للتغطیه على الخطأ المروع الذی لو تم تدارکه منذ الیوم الأول وحاولوا السیطره علیه، لما تعرضت البلاد لمثل هذه الکارثه الکبرى، وکان أول ضحایاها المواطنون والطواقم الطبیه فی البلاد.
کما هو موضح أعلاه، أصبح “العلاج بالاستشهاد” نتیجه الأخطاء وعدم الکفاءه التی تظهر من حین لآخر. وفی النهایه، فإن وصف الضحایا بـ”الشهداء” لیس إلا محاوله للتغطیه على العجز المطلق للنظام.
تاریخ انتشار: ۱۴ مارس ۲۰۲۰